الزواج الطائر!
تحقيق: نادية صبحي: 14 عامًا، مرت علي صدور قانون الإيجار الجديد.. القانون الذي زف البشري ـ وقتها ـ للملاك والمستأجرين بحل مشكلة الإسكان، وعودة لافتة »شقة للايجار«.. القانون الذي أصبح بعد سنوات قليلة سكينًا مسلطة علي رقاب المصريين، فشردهم، وتسبب في خراب بيوتهم وضياع معني »السكن« والاستقرار إلي الأبد. آلاف الأسر المستأجرة، ظنت أنها وجدت في قانون الايجار الجديد رقم 4 لسنة 1996عصا صحرية لمشكلة ازدادت تعقيدًا عامًا بعد آخر، لكنها اكتشفت أنها وقعت في فخ نصبته لها الحكومة.. لأن انتهاء مدة العقد كان يعني لملمة الأثاث، وتكويمه فوق سيارات نقل، تبحث باستمرار عن شقة بديلة، بعد تراكم الايجارات المرتفعة، وتعذر السداد، ورفض الملاك تجديد العقود، بهدف الطمع في زيادة قيمة الايجار، أو تسكين أسر أخري بمقدمات جديدة. الكارثة التي أسفر عنها هذا القانون تتعاظم، مع كتابة العقد بصيغ، اعتقد الساكن أنه يخرج بها من مقصلة تحديد المدة مثل 11 بلا نهاية، وغير محددة المدة«.. تلك العبارات التي اعتبرها القضاء مخالفة للقانون، وصدرت بسببها أحكام بالطرد لمئات الأسر. هناك مئات الأسر تواجه أحكاماً بالطرد من مساكنهم بسبب قانون الايجار الجديد، وذلك علي أثر عدم تحديد مدة الايجار بالعقود المبرمة بينهم وبين الملاك، وتسببت عبارات مثل "بلا نهاية" و"غير محدد المدة" و"مدة مفتوحة" في تشريد عائلات اعتقدت انها تحمي نفسها بعدم تحديد المدة الذي يهدد استقرارهم في مساكنهم. دعاوي عديدة اقامها الملاك ضد السكان لطردهم وكانت المفاجأة ان القانون يعتبر عدم تحديد المدة موافقة من الساكن علي الايجار لشهر واحد فقط بل انه يطالبه بإخلاء المسكن بعد 15 يوماً فقط من تحرير العقد!! مآس عديدة تواجهها اسر مصرية بسيطة اغلبهم من الفقراء الذين يجدون قوت يومهم بالكاد وكثيرون منهم اميون لا يدركون المعاني التي تحملها عقود الايجار الجديد التي ينشط السماسرة في شرائها من محلات البقالة بعيداً عن اي مشورة قانونية. هؤلاء اعتقدوا ان كتابة عبارات مثل: "بلا نهاية، غير محدد المدة، أو مدي الحياة" ستكون حماية لهم من خطر التشرد كل عام أو عامين أو أن يضع المالك السكين علي رقبة التاجر لإجباره علي رفع الايجار حتي يوافق علي تجديد العقد له، المؤسف ان الاتفاق كان يتم علي أساس دوام العقد بموافقة المالك الذي سمح لنفسه بتحصيل مقدمات بالآلاف هي كل ما يملك او استطاع ان يلملمه الساكن وبعضهم أنفق آلافاً مثلها لتشطيب الوحدات السكنية علي حسابه الخاص فضلاً عن تكاليف ادخال الغاز دون ان يعمل حساباً ليوم سيواجه فيه بالطرد وتضيع عليه كل أمواله ليجد نفسه في الشارع "وكله قانوني". بعض هذه الأسر لجأت لمجلس الشعب في الاسابيع القليلة الماضية لمحاولة عرض مآسيها علي نواب الشعب إلا انهم ووجهوا برجال الأمن الذين سمحوا لهم رأفة بحالهم برفع لافتات كتبوا عليها "نحن فقراء البلد.. أنفقنا تحويشة العمر في الشقة والقانون شردنا". أغلب هذه الاسر تسكن في المناطق العشوائية بعيداً عن التخطيط في بيوت متلاصقة غير صحية، ضيقة لكنها تحميهم وتسترهم هم وأولادهم. احدي هؤلاء المتضررين سيدة فقيرة لا تجد سوي بيع الجرجير وسيلة لكسب رزقها بجوار بيتها تبكي وتقول: نحن فقراء ويعلم الله كيف لملمنا المبلغ الذي دفعناه لصاحب البيت، وتضيف حلوة حامد أحمد: زوجي أرزقي ولدىَّ 5 أولاد جميعهم في المدارس وتعاقدنا علي هذه الشقة منذ 10 سنوات دفعنا مقدماً ثلاثة آلاف جنيه ونصف، وقلت لصاحب البيت: "مش عاوزة ايجار جديد علشان العيال" وكتبنا في العقد "مدي الحياة" وأدفع 100 جنيه ايجاراً شهرياً ومات صاحب البيت منذ 6 أشهر وفوجئنا بالورثة يرفعون ضدنا دعاوي طرد رغم اننا ندفع المياه والكهرباء وأدخلنا الغاز علي حسابنا ولا نعلم أين نذهب؟! نفس المشكلة يعيشها احمد نصر من سكان فيصل وبالتحديد شارع عبد النبي السواح، قال: كتبت في العقد "غير محدد المدة" وكان البيت جديداً "فحصلت علي شقتي علي المحارة" وقمت بتشطيبها "سيراميك" علي حسابي دفعت مقدماً 4 آلاف وصرفت حوالي 12 ألفا تشطيبات، والآن فوجئت بمطالبة اصحاب البيت لي بالإخلاء بحجة ان العقد غير قانوني! ماجدة صلاح "خياطة" لديها 7 أولاد لم تتمالك دموعها وهي تحكي مأساتها قائلة: أخرج من الصباح الباكر للعمل لأساعد زوجي لكي نعيش ونواجه اعباء الحياة وهذه الشقة هي كل ما نملك في الحياة استأجرناها منذ عام 1998 بقيمة ايجار 90 جنيهاً وانا وزوجي لا نعرف حتي كتابة اسمائنا وفوجئنا بأن اصحاب البيت يريدون رفع الايجار لـ 300 جنيه بعد ان وافقوا علي كتابة عقد محدد المدة حيث حصلوا علي حكم ابتدائي لصالحهم، وتشكو ماجدة وباقي السكان في البيت من انهم مهددون بالضياع فهم "غلابة" فكيف لهم ان يواجهوا الايجارات الجديدة ويصبحوا مهددين بالتشرد بعد سنة أو اثنتين رغم ان العقد الاساسي كان بدون تحديد للمدة. سألت احمد عودة - المحامي وعضو الهيئة العليا للوفد - عن مشكلة هؤلاء السكان، فقال: عملاً بالقانون رقم 4 لسنة 96 تخضع عقود الايجار التالية بعد يناير 1996 لأحكام القانون المدني وطبقاً لأحكام القانون المدني المعمول به من سنة 1948 يجب تحديد الاجرة والمدة بالعقد بخلاف قوانين الايجار السابقة الاستثنائية التي كانت تعطي امتداد العقد لمدد غير محددة وتحصر اسباب الاخلاء، الآن بعد الخضوع لأحكام القانون المدني فانه يتعين تحديد قيمة الاجرة ومدة العقد في صلب شروط العقد، وإذا كان بعض الناس يكتب في العقد ان الايجار مدي الحياة او بلا نهاية فهذا خطأ لا يتفق مع احكام القانون المدني التي تنص علي اعتبار المدة المحددة لدفع الاجرة هي مدة العقد تتجدد شهراً بعد شهر وهنا يحق للمؤجر التنبيه بانتهاء العقد والإخلاء في أي وقت في مهلة 15 يوماً علي الأقل، ومن هنا ننصح المستأجر الذي يرغب في البقاء في العين علي وجه الاستقرار ان يحدد مدة العقد بعشر او عشرين والحد الاقصي لا يزيد علي 60 عاماً، ليس أمامهم حل سوي التجديد لمدد تحدد بالعقد ولابد من استشارة ذوي الخبرة القانونية ولكن ما يحدث غير ذلك فالعقد يحرر بين المالك والمستأجر دون مراجعة قانونية وهذا جزء كبير من المشكلة. فيما يؤكد صلاح عبد الحميد السيد - المحامي بالنقض - ان بعض الملاك دأبوا علي إطلاق عبارات مثل "مشاهرة" أو "مدي الحياة" او "لحين زوال العقد" تسببت بصدور آلاف من الاحكام القضائية بالطرد وأعداد لا حصر لها من المستأجرين يفترشون الارصفة بسبب المادة 563 من القانون المدني التي تشير الي أن عقد الايجار غير محدد المدة أو تعذر اثبات مدته اعتبر محدد المدة بشهر، وقال: من المفترض ان يعاد النظر في هذا القانون رحمة بالمستأجرين كما لابد أن يحرر العقد علي يد محام وليس عن طريق السماسرة لأن رجل القانون يوضح لكلا الطرفين ما لهم وما عليهم، وطالب بضرورة تحرير هذه العقود بالشهر العقاري بحضور موظف مختص تفادياً لتلاعب الملاك واستغلالهم لبعض الثغرات في القانون التي تسبب في تشريد الاسر وأغلبهم من الفقراء ومحدودي الدخل.
موضوع: قانون الإيجار الجديد.. باب لطرد المستأجرين إلي الشارع 
الأحد مارس 28, 2010 4:51 pm
