دموع نساء خالدات في التاريخ الإنساني أصبحت مضرب الأمثال
يتجلي في بكاء المرأة ودموعها أسمي العواطف الروحانية وأكثرها نبلا وإجلالا، ففي البكاء يتمثل ضعف الإنسان ورقة عاطفته وعمق وجدانه فهناك بكاء الفرح، وبكاء العقاب، وبكاء التوبة، وبكاء الغفران، وبكاء خشية الله ولكل بكاء معناه ومغزاه. لقد بكت »حواء« أم البشر في جنة عدن لأنها أكلت من الشجرة التي نهاها الله عنها وقد رأت الشجرة جيدة الثمار شهية للأكل. وبكت »هاجر« أم إسماعيل حينما طردها زوجها إبراهيم عليه السلام نزولا عن رغبة زوجته سارة، فهامت علي وجهها في البادية. وبكت »أجريا« أم »نيرون« إمبراطور روما بعد أن أرسل ابنها الجند لقتلها، فتوسلت إليهم ان يطعنوها بالخناجر بأقصي سرعة قائلة والدموع تنهمر من عينيها (اطعنوا غير آسفين بطني التي حملت ذلك الابن العاق). وبكت »الخنساء« أخويها صخر ومعاوية، فبكي لبكائها الشعر والأدب وأصبحت مضرب الأمثال فيقال بكت بكاء الخنساء علي أخيها صخر. وبكت »فلورنس نايتنجيل« في حرب القرم فاهتزت لبكائها بريطانيا العظمي بعد أن أثارت الشعب الانجليزي لفضحها قلة العناية بالجرحي من الجنود أثناء الحرب وسوء أحوال التمريض، واستمرارها في الإشراف علي المرضي رغم إصابتها بحمي القرم، ورفضها ترك عملها حتي تم جلاء الجنود الانجليز عن الأراضي التركية في عام 1856م. وبكت الملكة »ماري انطوانيت« في العربة التي أقلتها من فيينا إلي باريس يوم زفافها إلي الملك لويس السادس عشر ملك فرنسا، وكانت وقتذاك في الرابعة عشرة من عمرها، وكان هو في السادسة عشرة من عمره، وبكت مرة ثانية عندما هربت مع الملك من باريس تحت جنح الظلام ثم أسرت علي الحدود، وبكت ثالثة حينما وضع الجلاد رأس زوجها في المقصلة عام 1793 وبكت أخيرا حينما حكم عليها بالاعدام وذهبت إلي المقصلة ونالت علي يد الجلاد ما نال زوجها. وبكت »جوزفين« يوم طلقها الامبراطور نابليون بونابرت لأنها لم تستطع أن تنجب له طفلا، فبكت وأبكت الفرنسيين معها. وبكت »أديث كافل« cavell عندما اتهمها الألمان بالتجسس، وقبل أن يطلق عليها الجنود الرصاص تبينها أحدهم فامتنع عن تنفيذ الأوامر، وأعدم علي أثر ذلك وقد كتب علي التمثال الذي نصب علي ميدان الطرف الأغر في لندن تخليدا لهذه الشهيرة عبارتها المشهورة »الوطنية وحدها لا تكفي، وإنما يجدر بنا فوق ذلك ألا نحمل في صدورنا حقدا أو كراهية لأحد«. وبكت »أميلين بنكهرست« الزعيمة النسائية في انجلترا، فحررت بدموعها المرأة، وقررت حقوقها السياسية. وهكذا كان بكاء المرأة سلسلة طويلة تحكي تاريخ البشرية بما فيه من آلام وأفراح، وبؤس ونعيم، وحرب وسلام، واتزان واستهتار، وفجور وطهر، وفي كل ذلك يمكن تلمس أعمق المشاعر التي تحمل شعاع الأبدية ومعاني الخلود، وصدق النفس التائبة النادمة. إن البكاء الصادق في المرأة خير مرآة للخلق المصفي، لقلب شديد الحساسية يتعذب، وليس هناك أدعي للإجلال والاحترام من امرأة تبكي في هدوء وصمت واتزان.